راحة شعب الله

وَمَادَامَ الْوَعْدُ بِالدُّخُولِ إِلَى الرَّاحَةِ الإِلَهِيَّةِ قَائِماً حَتَّى الآنَ، فَلْنَخَفْ: فَرُبَّمَا تَبَيَّنَ أَنَّ بَعْضاً مِنْكُمْ قَدْ فَشَلُوا فِي الدُّخُولِ. ذَلِكَ أَنَّ الْبِشَارَةَ بِالْوَعْدِ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْنَا، نَحْنُ أَيْضاً، كَمَا كَانَتْ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى ذَلِكَ الشَّعْبِ. وَلَكِنَّ الْبِشَارَةَ لَمْ تَنْفَعْ سَامِعِيهَا شَيْئاً، لأَنَّهُمْ قَابَلُوهَا بِالرَّفْضِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِها.

أَمَّا نَحْنُ، الَّذِينَ آمَنَّا بِالْبِشَارَةِ، فَسَوْفَ نَدْخُلُ الرَّاحَةَ الإِلَهِيَّةَ. إِذْ قَالَ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا: «وَهَكَذَا، فِي غَضَبِي، أَقْسَمْتُ قَائِلاً: إِنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا مَكَانَ رَاحَتِي!» هَذِهِ الرَّاحَةُ، كَانَتْ جَاهِزَةً مُنْذُ أَنْ أَتَمَّ اللهُ تَأْسِيسَ الْعَالَمِ. فَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ مُشِيراً إِلَى الْيَوْمِ السَّابِعِ: «ثُمَّ اسْتَرَاحَ اللهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ». ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: «لَنْ يَدْخُلُوا مَكَانَ رَاحَتِي!»

وَهَكَذَا، يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّاحَةَ الإِلَهِيَّةَ هِيَ فِي انْتِظَارِ مَنْ سَيَدْخُلُونَ إِلَيْهَا. وَبِمَا أَنَّ الَّذِينَ تَلَقَّوْا الْبِشَارَةَ بِها أَوَّلاً لَمْ يَدْخُلُوا إِلَيْهَا بِسَبَبِ تَمَرُّدِهِمْ، أَعْلَنَ اللهُ عَنْ فُرْصَةٍ جَدِيدَةٍ، إِذْ قَالَ: «الْيَوْمَ» بِلِسَانِ دَاوُدَ، بَعْدَمَا مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ عَلَى مَا كَانَ قَدْ قَالَهُ قَدِيماً: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ». فَلَوْ كَانَ يَشُوعُ قَدْ أَدْخَلَ الشَّعْبَ إِلَى الرَّاحَةِ، لَمَا تَكَلَّمَ اللهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مَوْعِدٍ جَدِيدٍ لِلدُّخُولِ بِقَوْلِهِ: «الْيَومَ». إِذَنْ، مَازَالَتِ الرَّاحَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَحْفُوظَةً لِشَعْبِ اللهِ. 10 فَالَّذِي يَدْخُلُ تِلْكَ الرَّاحَةَ، يَسْتَرِيحُ هُوَ أَيْضاً مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا اسْتَرَاحَ اللهُ مِنْ أَعْمَالِهِ. 11 لِذَلِكَ، لِنَجْتَهِدْ جَمِيعاً لِلدُّخُولِ إِلَى تِلْكَ الرَّاحَةِ، لِكَيْ لَا يَسْقُطَ أَحَدٌ مِنَّا كَمَا سَقَطَ أُولَئِكَ الَّذِينَ عَصَوْا أَمْرَ اللهِ. 12 ذَلِكَ لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ، وَفَعَّالَهٌ، وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ لَهُ حَدَّانِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مُفْتَرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَنُخَاعِ الْعِظَامِ، وَقَادِرَةٌ أَنْ تُمَيِّزَ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. 13 وَلَيْسَ هُنَالِكَ مَخْلُوقٌ وَاحِدٌ مَحْجُوبٌ عَنْ نَظَرِ اللهِ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، هُوَ الَّذِي سَنُؤَدِّي لَهُ حِسَاباً.

يسوع الكاهن الأعلى

14 فَمَادَامَ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَتِنَا الْعَظِيمُ الَّذِي ارْتَفَعَ مُجْتَازاً السَّمَاوَاتِ، وَهُوَ يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ دَائِماً بِالاعْتِرَافِ بِهِ. 15 ذَلِكَ لأَنَّ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ الَّذِي لَنَا، لَيْسَ عَاجِزاً عَنْ تَفَهُّمِ ضَعَفَاتِنَا، بَلْ إِنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّجَارِبِ الَّتِي نَتَعَرَّضُ نَحْنُ لَهَا، إِلّا أَنَّهُ بِلا خَطِيئةٍ. 16 فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ، لِنَنَالَ الرَّحْمَةَ وَنَجِدَ نِعْمَةً تُعِينُنَا عِنْدَ الْحَاجَةِ.

الدُّخولُ إلَى رَاحَةِ الله

فَمَا زَالَ الوَعْدُ بِالدُّخُولِ إلَى رَاحَةِ اللهِ قَائِمًا. فَلْنَحرِصْ عَلَى ألَّا يَفْشَلَ أحَدٌ بَيْنَكُمْ فِي الحُصُولِ عَلَى هَذَا الوَعْدِ. فَنَحْنُ قَدْ بُشِّرْنَا كَمَا قَدْ بُشِّرَ بَنُو إسْرَائِيلَ، لَكِنَّ الرِّسَالَةَ الَّتِي سَمِعُوهَا لَمْ تَنْفَعْهُمْ، لِأنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوهَا، لَمْ يَقْبَلُوهَا بِالإيمَانِ. أمَّا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا، فَنَدخُلُ تِلْكَ الرَّاحَةَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ عَنْهَا الكِتَابُ، فَكَمَا قَالَ اللهُ:

«أقْسَمْتُ غَاضِبًا:
لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.»[a]

قَالَ هَذَا مَعَ أنَّهُ انْتَهَى مِنْ عَمَلِهِ مُنْذُ خَلْقِ العَالَمِ. إذْ تَحَدَّثَ فِي مَوضِعٍ مِنَ الكِتَابِ عَنِ اليَوْمِ السَّابِعِ فَقَالَ:

«وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ استَرَاحَ اللهُ مِنْ كُلِّ أعْمَالِهِ.»[b]

لَكِنَّهُ يَقولُ أيْضًا:

«لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.»[c]

إذًا بَقِيَتْ هُنَاكَ رَاحَةٌ سَيَدْخُلُهَا بَعْضُهُمْ. أمَّا الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ أنْ سَمِعُوا البِشَارَةَ، فَلَمْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ بِسَبَبِ عَدَمِ إيمَانِهِمْ. لِهَذَا يُحَدِّدُ اللهُ يَومًا يَدْعُوهُ «اليَوْمَ.» وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ كَمَا سَبَقَ أنْ ذَكَرْنَا:

«اليَوْمَ، إنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَ اللهِ،
لَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ.»[d]

فَلَوْ كَانَ يَشُوعُ قَدْ قَادَهُمْ إلَى رَاحَةِ اللهِ المَوعُودَةِ، لَمَا تَكَلَّمَ اللهُ فِيمَا بَعْدُ عَنْ يَوْمٍ آخَرَ. إذًا مَا يَزَالُ هُنَاكَ يَوْمُ رَاحَةٍ آتٍ لِشَعْبِ اللهِ. 10 فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ رَاحَةَ اللهِ يَسْتَرِيحُ مِنْ عَمَلِهِ، كَمَا أنَّ اللهَ استَرَاحَ مِنْ عَمَلِهِ. 11 فَلْنَجْتَهِدْ لِلدُّخُولِ إلَى تِلْكَ الرَّاحَةِ، فَلَا يَسْقُطُ أحَدٌ تَابِعًا مِثَالَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي العِصيَانِ.

12 فَكَلِمَةُ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ. إنَّهَا أمضَى مِنْ أيِّ سَيفٍ ذِي حَدَّينِ، فَتَخْتَرِقَ الحُدُودَ الفَاصِلَةَ بَيْنَ النَّفْسِ وَالرُّوحِ، وَبَيْنَ المَفَاصِلِ وَالنُّخَاعِ. وَهِيَ تَحْكُمُ عَلَىْ أفكَارِ القَلْبِ وَمَشَاعِرِهِ. 13 وَمَا مِنْ شَيءٍ مَخْلُوقٍ خَافٍ عَنْ نَظَرِ اللهِ، بَلْ كُلُّ شَيءٍ عُريَانٌ وَمَكشُوفٌ أمَامَ عَينَيِّ اللهِ الَّذِي سَنُقَدِّمُ لَهُ حِسَابًا.

يَسُوعُ يُعِينُنَا عَلَى المُثُولِ أمَامَ الله

14 إنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَظِيمًا دَخَلَ السَّمَاوَاتِ، هُوَ يَسُوعُ ابْنُ اللهِ. لِهَذَا لِنَتَمَسَّكْ بِالإيمَانِ الَّذِي نَعْتَرِفُ بِهِ. 15 فَرَئِيسُ الكَهَنَةِ الَّذِي لَنَا لَيْسَ عَاجِزًا عَنِ التَّعَاطُفِ مَعَ أوْجُهِ ضَعْفِنَا، لِأنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ جُرِّبَ فِي كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ خَطِيَّةً. 16 إذًا فَلْنَتَقَدَّمْ بِجُرأةٍ إلَى عَرْشِ نِعْمَةِ اللهِ، لِكَي نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً تُعِينُنَا وَقْتَ الحَاجَةِ.

Footnotes

  1. 4‏:3 المَزْمُور 95‏:11.
  2. 4‏:4 التَّكْوِين 2‏:2.
  3. 4‏:5 المَزْمُور 95‏:11.
  4. 4‏:7 المَزْمُور 95‏:7‏-8.