Add parallel Print Page Options

حُلْمُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ حَوْلَ الشَّجَرَة

مِنَ المَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ إلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، السَّاكِنِينَ فِي كُلِّ البُلدَانِ، فَليَكُنْ لَكُمُ الخَيْرُ وَالسَّلَامُ دَائِمًا.

أجِدُ سُرُورًا عَظِيمًا فِي أنْ أُخبِرَكُمْ بِالآيَاتِ وَالعَجَائِبِ الَّتِي عَمِلَهَا اللهُ العَلِيُّ لِي.

آيَاتُهُ عَظِيمَةٌ!
عَجَائِبُهُ قَوِيَّةٌ!
مُلْكُهُ مُلْكٌ أبَدِيٌّ،
وَسُلطَانُهُ سَيَدُومُ عَبْرَ كُلِّ الأجيَالِ.

أنَا، نَبُوخَذْنَاصَّرَ، كُنْتُ أستَرِيحُ مُطمَئِنًا فِي قَصرِي، فَرَأيْتُ حُلْمًا أفزَعَنِي. وَأزعَجَتنِي أفكَارِي وَتَخَيُّلَاتِي وَأنَا عَلَى فِرَاشِي. حِينَئِذٍ، أصدَرتُ أمْرًا بِإحْضَارِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ كَي يُفَسِّرُوا لِيَ الحُلْمَ. وَحِينَ جَاءَ المُنَجِّمُونَ وَالسَّحَرَةُ وَالكَلْدَانِيُّونَ وَالوُسَطَاءُ، أخْبَرْتُهُمْ عَنْ حُلْمِي، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَفْسِيرَهُ. وَأخِيرًا، دَخَلَ دَانِيَالُ أمَامِي، وَهُوَ الَّذِي أُعْطِيَ اسْمَ ‹بَلْطْشَاصَّرُ› إكرَامًا لِإلَهِي. وَكَانَ رُوحُ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ فِيهِ، فَأخبَرتُهُ عَنْ حُلْمِي فَقُلْتُ لَهُ:

«يَا بَلْطْشَاصَّرُ، يَا رَئِيسَ المُنَّجِمِينَ، أعْرِفُ أنَّ رُوحَ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ فِيكَ، وَلَا يُوجَدُ سِرٌّ يَصْعُبُ عَلَيْكَ مَعْرِفَتُهُ، فَفَسِّرْ لِيَ الحُلمَ الَّذِي رَأيْتُهُ. 10 كُنْتُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى فِرَاشِي حِينَ بَدَأتُ أرَى رُؤَىً فِي ذِهنِي. وَفَجْأةً كَانَتْ هُنَاكَ شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا تَنْمُو فِي الأرْضِ، 11 كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً جِدًّا، وَبَلَغَ ارتِفَاعُهَا إلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ الجَمِيعُ يَرَاهَا. 12 كَانَتْ أورَاقُهَا جَمِيلَةً، وَثَمَرُهَا وَفِيرًا، وَكَانَت تُعطِي طَعَامًا لِلجَمِيعِ، وَكَانَتْ حَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةِ تَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا، وَالطُّيُورُ تَسْكُنُ فِي أغْصَانِهَا، وَكُلُّ الكَائِنَاتِ تَأْكُلُ مِنْهَا.

13 «وَبَيْنَمَا كُنْتُ أرَى هَذَا فِي حُلْمِي وَعَلَى فِرَاشِي، نَزَلَ مُرَاقِبٌ قِدِّيسٌ مِنَ السَّمَاءِ وَصَرَخَ: 14 ‹اقطَعُوا الشَّجَرَةَ! قُصُّوا أغْصَانَهَا! انْزِعُوا أورَاقَهَا! انثُرُوا ثِمَارَهَا! وَلْتَهْرُبِ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ مِنْ تَحْتِهَا وَالطُّيُورُ مِنْ أغْصَانِهَا. 15 لَكِنِ اترُكُوا جِذْعَهَا وَجُذُورَهَا فِي الأرْضِ. أوْثِقُوا جِذْعَهَا بِحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي وَسَطِ نَبَاتَاتِ الغَابَةِ. اترُكُوهُ لِيَبْتَلَّ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ فِي الأرَاضِي العُشبِيَّةِ. 16 سَيَفْقِدُ عَقلَهُ البَشَرِيَّ، وَيُفَكِّرُ كَالحَيَوَانَاتِ، إلَى أنْ تَمْضيَ عَلَيْهِ سَبعَةُ مَوَاسِمَ.›

17 «هَذَا الإعلَانُ مَرسُومٌ أمَرَ بِهِ المُرَاقِبُونَ القِدِّيسُونَ لِكَي تَعْرِفَ كُلُّ المَخْلُوقَاتِ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ مَملَكَةَ البَشَرِ. وَهُوَ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُقِيمُ أوضَعَ النَّاسِ عَلَيْهَا.

18 «هَذَا هُوَ الحُلْمُ الَّذِي رَأيْتُهُ، أنَا المَلِكَ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. وَالْآنَ يَا بَلْطْشَاصَّرُ، فَسِّرْ لِيَ الحُلْمَ، لِأنَّهُ لَا أحَدَ مِنَ الحُكَمَاءِ الآخَرِينَ يَسْتَطِيعُ تَفْسِيرَهُ، أمَّا أنْتَ فَتَسْتَطِيعُ لِأنَّ رُوحَ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ فِيكَ.»

19 فَبَقِيَ دَانِيَالُ – وَيُدْعَى أيْضًا بَلْطْشَاصَّرَ – صَامِتًا نَحْوَ سَاعَةٍ كَامِلَةٍ وَهُوَ مُنزَعِجٌ مِنْ أفكَارِهِ. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: «يَا بَلْطْشَاصَّرُ، لَا تَدَعِ الحُلمَ وَتَفْسِيرَهُ يُزعِجَانِكَ.»

فَأجَابَ بَلْطْشَاصَّرُ: «يَا سَيِّدِي، أتَمَنَّى لَوْ أنَّ هَذَا الحُلْمَ عَنْ أعْدَائِكَ! 20 فَالشَّجَرَةُ الكَبِيرَةُ القَوِيَّةُ الَّتِي رَأيْتَهَا، وَوَصَلَ ارتِفَاعُهَا إلَى السَّمَاءِ، حَتَّى كَانَتْ مَرئِيَّةً مِنْ أقَاصِي الأرْضِ – 21 الشَّجَرَةُ ذَاتَ الأورَاقِ الجَّمِيلَةِ وَالثَّمَرِ الكَثِيرِ، وَفِي أغْصَانِهَا طَعَامٌ لِلجَمِيعِ، وَقَدْ سَكَنَتِ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ تَحْتَهَا وَعَشَّشَتِ الطُّيُورُ فِي أغْصَانِهَا – 22 هِيَ أنْتَ أيُّهَا المَلِكُ! فَقَدْ صِرتَ عَظِيمًا وَقَوِيًّا، وَجَمَعتَ ثَروَةً عَظِيمَةً، وَوَصَلَتْ قُوَّتُكَ إلَى السَّمَاءِ وَسُلطَانُكَ إلَى أقَاصِي الأرْضِ.

23 «أمَّا المُرَاقِبُ القِدِّيسُ الَّذِي رَأيْتَهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالَّذِي قَالَ: ‹اقطَعُوا الشَّجَرَةَ وَأهْلِكُوهَا تَمَامًا، لَكِنِ اتْرُكُوا جِذعَهَا وَجُذُورَهَا فِي الأرْضِ مُقَيَّدَةً بِقُيُودٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَسَطَ الحُقُولِ. فَهُنَاكَ سَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَتَبْقَى بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ حَتَّى تَكْتَمِلَ سَبعَةُ مَوَاسِمٍ.›

24 «فَيَا سَيِّدِي المَلِكِ، هَذَا هُوَ تَفْسِيرُ مَا قَالَهُ المُرَاقِبُ فِي الحُلْمِ: هَذَا هُوَ الحُكْمُ الَّذِي أصدَرَهُ اللهُ العَلِيُّ عَلَى سَيِّدِي المَلِكِ: 25 سَيَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَسَتَعِيشُ بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَسَتَأْكُلُ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَسَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ. وَسَتَمُرُّ عَلَيْكَ سَبْعَةُ مَوَاسِمَ قَبْلَ أنْ يَعُودَ إلَيْكَ عَقلُكَ وَتَعْرِفَ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ عَلَى مَمْلَكَةِ البَشَرِ. وَهُوَ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ.

26 «وَعِنْدَمَا قَالَ المُرَاقِبُ القدِّيسُ: ‹اترُكُوا جِذْعَهَا وَجُذُورَهَا،› فَهَذَا لِتَعْلَمَ أنَّ مَملَكَتَكَ سَتَعُودُ إلَيْكَ، عِنْدَمَا تُدْرِكُ أنَّ السِّيَادَةَ هِيَ لِرَبِّ السَّمَاءِ. 27 لِذَلِكَ أيُّهَا المَلِكُ اسْمَعْ نَصِيحَتِي. كَفِّرْ عَنْ خَطَايَاكَ بِالبِرِّ، وَعَنْ شَرِّكَ بِالإحسَانِ لِلفُقَرَاءِ. فَحِينَئِذٍ، تَكُونُ لَكَ حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ هَادِئَةٌ.»

28 وَقَدْ حَدَثَت كُلُّ تِلْكَ الأُمُورِ لِلمَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، 29 فَبَعدَ اثنَيْ عَشَرَ شَهرًا كَانَ المَلِكُ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ قَصرِهِ، 30 حِينَ قَالَ: «هَذِهِ هِيَ بَابِلُ المَدِينَةُ العَظِيمَةُ الَّتِي بَنَيتُهَا بِقُوَّتِي لِتَصِيرَ عَاصِمَةَ مَملَكَتِي وَلأُظْهِرَ مَجْدِي!»

31 وَبَيْنَمَا هُوَ لَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ، جَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «اسمَعْ مَا سَيَحْدُثُ لَكَ أيُّهَا المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: سَتُنزَعُ مَملَكَتُكَ مِنْكَ. 32 وَسَتُطرَدُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ لِتَعِيشَ بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَسَتَأْكُلُ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَسَتَمُرُّ عَلَيْكَ سَبعَةُ مَوَاسِمَ قَبْلَ أنْ تَعُودَ إلَى عَقلِكَ وَتَعْرِفَ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ عَلَى مَمْلَكَةِ البَشَرِ. وَهُوَ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ.»

33 وَفَورَ انتِهَاءِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، طُرِدَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَصَارَ مَجنُونًا. وَبَدَأ يَأْكُلُ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَابْتَلَّ جَسَدُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ. طَالَ شَعرُهُ وَتَلَبَّدَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ رِيشِ النَّسرِ. وَطَالَت أظَافِرُهُ حَتَّى صَارَت كَمَخَالِبِ الطُّيُورِ.

34 وَتَابَعَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ كَلَامَهُ بِقَولِهِ: «وَفِي نِهَايَةِ الوَقْتِ المُعَيَّنِ، رَفَعتُ أنَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ، عَينَيَّ نَحْوَ السَّمَاءِ فَعَادَ إلَيَّ عَقلِي. حِينَئِذٍ، بَارَكتُ اللهَ العَلِيَّ، وَمَجَّدتُ الَّذِي يَحيَا إلَى الأبَدِ وَالَّذِي يَمْلُكُ إلَى الأبَدِ، وَمُلكُهُ يَسْتَمِرُّ عَبْرَ الأجيَالِ.

35 «أمَامَ قُوَّةِ اللهِ،
كُلُّ البَشَرِ عَلَى الأرْضِ كَلَا شَيءٍ!
هُوَ يَعْمَلُ مَا يُرِيدُ
بِجُندِ السَّمَاءِ أوْ بِسُكَّانِ الأرْضِ!
لَا يُوجَدُ مَنْ يَسْتَطِيعُ مَنْعَهُ
أوْ مَنْ يَسألُهُ مَاذَا تَعْمَلُ؟

36 «فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أعَادَ اللهُ إلَيَّ عَقلِي وَمَجْدَ مَملَكَتِي وَكَرَامَتِي. وَعَادَت هَيئَتِي إلَى طَبِيعَتِهَا. وَعَادَ المُسْتَشَارُونَ وَالنُبَلَاءُ يَطْلُبُونَ نَصِيحَتِي مِنْ جَدِيدٍ. وَعُدْتُ إلَى مَركِزِي كَمَلِكٍ عَلَى مَملَكَتِي. وَحَصَلتُ عَلَى ثَروَةٍ أعْظَمَ مِمَّا كَانَ لِي. 37 أنَا نَبُوخَذْنَاصَّرَ أُسَبِّحُ وَأحمَدُ وَأُكرِمُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي كُلُّ أعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، وَهُوَ يَقْدِرُ أنْ يُذِلَّ المُتَكَبِّرِينَ.»

نبوخذنصر يحلم بشجرة

مِنْ نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكِ إِلَى جَمِيعِ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَقْوَامِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ الْمُقِيمِينَ فِي كُلِّ الأَرْضِ: لِيَكْثُرْ سَلامُكُمْ. قَدْ طَابَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ بِالآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي صَنَعَهَا اللهُ الْعَلِيُّ، فَمَا أَعْظَمَ آيَاتِهِ وَمَا أَقْوَى عَجَائِبَهُ. إِنَّ مَلَكُوتَهُ أَبَدِيٌّ وَسُلْطَانَهُ يَدُومُ عَلَى مَدَى الأَجْيَالِ.

أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ كُنْتُ مُقِيماً مُطْمَئِنّاً فِي بَيْتِي، أَتَمَتَّعُ فِي الْبُحْبُوحَةِ فِي قَصْرِي، فَرَأَيْتُ حُلْماً أَثَارَ فَزَعِي، وَأَقْلَقَتْنِي عَلَى مَضْجَعِي أَفْكَارِي وَرُؤَى رَأْسِي، فَأَصْدَرْتُ أَمْراً بِاسْتِدْعَاءِ جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ أَمَامِي لِيُطْلِعُونِي عَلَى تَفْسِيرِ الْحُلْمِ. فَحَضَرَ الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْكَلْدَانِيُّونَ وَالْمُنَجِّمُونَ، فَسَرَدْتُ الْحُلْمَ عَلَيْهِمْ فَعَجَزُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ. أَخِيراً مَثَلَ فِي حَضْرَتِي دَانِيَالُ الْمَدْعُو بَلْطَشَاصَّرَ، كَاسْمِ إِلَهِي، الَّذِي فِيهِ رُوحُ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْحُلْمَ.

قُلْتُ: «يَا بَلْطَشَاصَّرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ، إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلهَةِ الْقُدُّوسِينَ وَلا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكَ سِرٌّ، فَأَخْبِرْنِي بِرُؤَى حُلْمِي الَّذِي شَهِدْتُهُ وَبِتَفْسِيرِهِ. 10 وَهَذِهِ هِيَ الرُّؤْيَا الَّتِي شَهِدْتُهَا فِي مَنَامِي: رَأَيْتُ وَإذَا بِشَجَرَةٍ مُنْتَصِبَةٍ فِي وَسَطِ الأَرْضِ ذَاتِ ارْتِفَاعٍ عَظِيمٍ، 11 وَقَدْ نَمَتِ الشَّجَرَةُ وَقَوِيَتْ حَتَّى بَلَغَ ارْتِفَاعُهَا السَّمَاءَ، وَبَدَتْ لِلْعِيَانِ حَتَّى إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ. 12 وَكَانَتْ أَوْرَاقُهَا جَمِيلَةً وَأَثْمَارُهَا كَثِيرَةً، تَوَافَرَ فِيهَا غِذَاءٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا تَسْتَظِلُّ وُحُوشُ الصَّحْرَاءِ وَتَأْوِي إِلَى أَغْصَانِهَا طُيُورُ السَّمَاءِ، وَمِنْهَا يَقْتَاتُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ. 13 ثُمَّ شَاهَدْتُ فِي الرُّؤَى وَأَنَا فِي مَنَامِي، وَإذَا بِرَقِيبٍ قُدُّوسٍ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، 14 وَهَتَفَ بِصَوْتٍ مُدَوٍّ وَقَالَ: اقْطَعُوا الشَّجَرَةَ وَاقْضِبُوا أَغْصَانَهَا وَبَعْثِرُوا أَوْرَاقَهَا وَانْثُرُوا أَثْمَارَهَا، لِتَشْرُدَ الْوُحُوشُ مِنْ تَحْتِهَا، وَتَهْجُرَ الطُّيُورُ أَغْصَانَهَا. 15 وَلَكِنِ اتْرُكُوا سَاقَ أَصْلِهَا فِي الأَرْضِ، وَأَوْثِقُوهُ بَقَيْدٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي وَسَطِ عُشْبِ الْحَقْلِ، لِيَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ طَعَامُهُ مِنْ عُشْبِ الْحَقْلِ مَعَ الْبَهَائِمِ. 16 وَلْيَتَحَوَّلْ عَقْلُهُ مِنْ عَقْلِ إِنْسَانٍ إِلَى عَقْلِ حَيَوَانٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ. 17 قَدْ صَدَرَ هَذَا الْقَضَاءُ عَنْ أَمْرِ الرُّقَبَاءِ السَّاهِرِينَ، وَقَرَارُ الْحُكْمِ بِكَلِمَةِ الْقُدُّوسِينَ، لِكَيْ يُدْرِكَ الأَحْيَاءُ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ، يَهَبُهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُوَلِّي عَلَيْهَا أَحْقَرَهُمْ. 18 هَذَا هُوَ الْحُلْمُ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكُ، وَعَلَيْكَ أَنْتَ يَا بَلْطَشَاصَّرُ أَنْ تُفَسِّرَهُ، لأَنَّ كُلَّ حُكَمَاءِ مَمْلَكَتِي قَدْ عَجَزُوا عَنْ إِطْلاعِي عَلَى تَفْسِيرِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَتَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لأَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ».

دانيال يفسر الحلم

19 حِينَئِذٍ انْتَابَتِ الْحَيْرَةُ دَانِيَالَ الْمَدْعُو بَلْطَشَاصَّرَ طَوَالَ سَاعَةٍ وَرَوَّعَتْهُ أَفْكَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لا يُفْزِعُكَ الْحُلْمُ وَلا تَفْسِيرُهُ يَا بَلْطَشَاصَّرُ». فَأَجَابَ: «لِيَرْتَدَّ الْحُلْمُ عَلَى مُبْغِضِيكَ وَتَفْسِيرُهُ عَلَى أَعَادِيكَ. 20 الشَّجَرَةُ الَّتِي شَاهَدْتَهَا وَالَّتِي نَمَتْ وَاشْتَدَّتْ وَبَلَغَ ارْتِفَاعُهَا السَّمَاءَ فَبَدَتْ لِلْعِيَانِ حَتَّى أَطْرَافِ الأَرْضِ، 21 وَكَانَتْ أَوْرَاقُهَا جَمِيلَةً وَأَثْمَارُهَا كَثِيرَةً، تَوَافَرَ فِيهَا غِذَاءٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا تَسْتَظِلُّ وُحُوشُ الصَّحْرَاءِ وَتَأْوِي إِلَى أَغْصَانِهَا طُيُورُ السَّمَاءِ، 22 هِيَ أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي نَمَوْتَ وَقَوِيَتْ شَوْكَتُكَ وَازْدَادَتْ عَظَمَتُكَ، حَتَّى بَلَغَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَسُلْطَانُكَ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ. 23 أَمَّا مَا شَاهَدْتَهُ مِنْ أَنَّ رَقِيباً قُدُّوساً قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اقْطَعُوا الشَّجَرَةَ وَأَفْنُوهَا، وَلَكِنِ اتْرُكُوا سَاقَ أَصْلِهَا فِي الأَرْضِ، وَأَوْثِقُوهُ بِقَيْدٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي وَسَطِ عُشْبِ الْحَقْلِ، لِيَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ طَعَامُهُ مِنْ عُشْبِ الْحَقْلِ مَعَ الْبَهَائِمِ، 24 فَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُهُ، وَهَذَا هُوَ قَضَاءُ الْعَلِيِّ الَّذِي يَحُلُّ بِسَيِّدِي الْمَلِكِ: 25 سَيَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَتَأْوِي مَعَ حَيَوَانِ الصَّحْرَاءِ، يُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ، إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ يَهَبُهَا مَنْ يَشَاءُ. 26 أَمَّا الأَمْرُ الصَّادِرُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَاقِ الشَّجَرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَمْلَكَتَكَ تَبْقَى لَكَ حَتَّى تُدْرِكَ أَنَّ السِّيَادَةَ هِيَ لِلسَّمَاءِ. 27 لِذَلِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، تَقَبَّلْ مَشُورَتِي وَتَخَلَّ عَنْ خَطَايَاكَ بِالْبِرِّ وَآثَامِكَ بِمُمَارَسَةِ الرَّحْمَةِ مَعَ الْبَائِسِينَ، عَسَى أَنْ يَطُولَ فَلاحُكَ».

الحلم يتحقق

28 وَقَدْ أَصَابَ نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكَ كُلُّ مَا أَنْبَأَ بِهِ دَانِيَالُ. 29 فَبَعْدَ انْقِضَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً عَلَى هَذَا الْحُلْمِ، وَفِيمَا كَانَ نَبُوخَذْنَصَّرُ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ قَصْرِ بَابِلَ الْمَلَكِيِّ، 30 قَالَ: «أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي بَنَيْتُهَا بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي لِتَكُونَ عَاصِمَةً لِلْمَمْلَكَةِ، وَلِجَلالِ مَجْدِي؟» 31 وَفِيمَا كَانَتْ كَلِمَاتُهُ بَعْدُ تَتَرَدَّدُ عَلَى شَفَتَيْهِ تَجَاوَبَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ، لَكَ يَقُولُونَ الآنَ قَدْ زَالَ عَنْكَ الْمُلْكُ. 32 ثُمَّ يَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَتَأْوِي مَعَ حَيَوَانِ الصَّحْرَاءِ، وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ يَهَبُهَا لِمَنْ يَشَاءُ».

33 فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَمَّ حُكْمُ الْقَضَاءِ عَلَى نَبُوخَذْنَصَّرَ، فَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَأَكَلَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ حَتَّى اسْتَرْخَى شَعْرُهُ مِثْلَ النُّسُورِ، وَطَالَتْ أَظْفَارُهُ مِثْلَ بَرَاثِنِ الطُّيُورِ.

34 وَفِي خِتَامِ السَّبْعَةِ الأَزْمِنَةِ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، الْتَفَتُّ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ وَحَمَدْتُ الْحَيَّ الأَبَدِيَّ ذَا السُّلْطَانِ السَّرْمَدِيِّ، الَّذِي مُلْكُهُ عَلَى مَدَى الأَجْيَالِ. 35 وَعَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ الأَرْضِ لَا يُحْسَبُونَ شَيْئاً، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلَيْسَ مَنْ يَكُفُّ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 36 فِي ذَلِكَ الْحِينِ ثَابَ إِلَيَّ عَقْلِي، وعَادَ إِلَيَّ جَلالُ مَمْلَكَتِي وَمَجْدِي وَبَهَائِي، وَطَلَبَنِي مُشِيرِيَّ وَنُبَلاءُ دَوْلَتِي، وَتَثَبَّتُّ عَلَى عَرْشِ مَمْلَكَتِي وَازْدَادَتْ عَظَمَتِي جِدّاً. 37 فَالآنَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ وَأُمَجِّدُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي جَمِيعُ أَعْمَالِهِ حَقٌّ، وَطُرُقُهُ عَادِلَةٌ وَقَادِرٌ عَلَى إذْلالِ كُلِّ مَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ.